قصيدة الشكوى
شَكوايَ أمْ نجوايَ في هذا الدُّجـى *** ونجومُ ليلِي حُسَّدي أمْ عُـوَّدي
أمسيتُ في الماضي أعيش كأننـي *** قطعَ الزمانُ طريق أمسي عن غَـدي
والطيرُ صادحةٌ على أفنانهـا *** تُبكي الرُّبى بأنينها المتجـددِ
قد طال تسهيدي وطال نشيدهـا *** ومدامعي كالطل في الغصن النَّـدي
فإلى متى صمتي كأني زهـرةٌ *** خرساءُ لم تُرزق براعةَ مُنشـدِ
قيثارتي مُلئت بأنَّات الجَـوى *** لا بدَّ للمكبوت من فيضـانِ
صَعدتْ إلى شفتِي بلابلُ مُهجتـي *** ليَبين عنها منطقي ولسانـي
أنا ما تعديتُ القناعةَ والرِّضـا *** لكنَّما هي قصة الأشجـانِ
أشكو وفي فميَ التراب وإنمـا *** أشكو مُصاب الدِّين للديَّـانِ
يشكو لك اللهمَّ قلب لم يعِـشْ *** إلاّ لحمد عُلاك في الأكـوانِ
قد كان هذا الكونُ قبل وجودنـا *** رَوضًا وأزهارًا بغير شميـمِ
والورد في الأكمام مجهولُ الشَّـذا *** لا يُرتجى وردٌ بغير نسيـمِ
بل كانتِ الأيام قبل وجودنـا *** ليلاً لظالمها وللمظلـومِ
لما أطل محمدٌ زكت الرُّبـى *** واخضرَّ في البستان كلُّ هشيـمِ
وأذاعت الفردوسُ مكنونَ الشـذا *** فإذا الورى في نضرةٍ ونعيـمِ
من قام يهتف باسم ذاتك قبلَنـا *** مَنْ كان يدعو الواحد القهَّـارا
عبدوا تماثيلَ الصخور وقدَّسـوا *** مِن دونك الأحجار والأشجـارا
عبدوا الكواكب والنجوم جهالـةً *** لم يبلغوا من هَديها أنـوارا
هل أعلن التوحيدَ داعٍ قبلنَـا *** وهدى الشعوب إليك والأنظـارا
كنَّا نُقدِّم للسيوف صدورَنـا *** لم نخش يوماً غاشمًا جبَّـارا
قد كان في اليونان فلسفةٌ وفي الـرُّ *** ومانِ مدرسةٌ وكان المُلك في ساسـانِ
لم تُغنِ عنهمْ قوة أو ثـروةٌ *** في المال أو في العلم والعرفـانِ
وبِكلِّ أرض سامريٌّ ماكـرٌ *** يكفي اليهودَ مؤونةَ الشيطـانِ
والحكمة الأولى جرَت وثنيَّـةً *** في الصين أو في الهند أو تُـورانِ
نحن الذين بِنور وحيكَ أوضحـوا *** نهجَ الهدى ومعالم الإيمـانِ
من ذا الذي رفعَ السيوف ليرفع اسْـ *** ـمكَ فوق هامات النجوم منـارا
كنا جبالاً في الجبال وربمـا *** سِرنا على موج البحار بحـارا
بمعابد الإفرنج كان أذانُنـا *** قبلَ الكتائب يفتح الأمصـارا
لم تنس إِفْرِقْيا ولا صحراؤُهـا *** سجَداتِنا والأرضُ تقذف نـارا
وكأنَّ ظلَّ السيف ظل حديقـةٍ *** خضراءَ تنبت حولنا الأزهـارا
لم نخش طاغوتًا يحاربنا ولـوْ *** نصبَ المنايا حولنا أسْـوارا
ندعو جهارًا لا إله سوى الـذي *** صنع الوجود وقدَّر الأقـدارا
ورؤوسنا يا ربِّ فوق أكفِّنـا *** نرجو ثوابك مغنمًا وجِـوارا
كنا نرى الأصنامَ من ذهبٍ فنهْـ *** ـدمها ونهدم فوقها الكُفَّـارا
لو كان غيرَ المسلمين لحازهـا *** كنـزًا وصاغ الحِلْيَ والدينـارا
كم زُلزل الصخر الأشمُّ فما وَهـى *** من بأسنا عزم ولا إيمـانُ
لو أن آسادَ العرين تفزَّعـتْ *** لم يلقَ غير ثباتنا الميْـدانُ
وكأنَّ نيران المدافع في صـدُو *** رِ المؤمنين الرَّوْح والريحـانُ
توحيدُك الأعلى جعلنا نقشَـهُ *** نورًا تضيء بصُبحه الأزمـانُ
فغدتْ صُدورُ المؤمنين مصاحفًـا *** في الكون مسطورا بها القـرآنُ
مَن غيرُنا هدَم التماثيلَ التـي *** كانت تقدسها جهالاتُ الـوَرى
حتى هوتْ صُورُ المعابد سُجَّـدًا *** لجلال من خلقَ الوجودَ وصـوَّرا
ومَنِ الأُلى حملوا بعزمِ أكُفِّهـمْ *** بابَ المدينة يومَ غزوة خيْبـرا
أمَّن رمى نار المجوس فأُطفئَـتْ *** وأبان وجه الحق أبلجَ نيِّـرا
ومَن الذي بذَل الحياة رخيصـةً *** ورأى رضاك أعز شيْءٍ فاشتـرى
نحْنُ الذين استيقظت بأذانهـمْ *** دُنيا الخليقة من تهاويل الكَـرَى
نحن الذين إذا دُعُوا لصلاتهـمْ *** والحرب تسقي الأرض جامًا أحمـرا
جعلوا الوجوه إلى الحجاز وكبَّـروا *** في مَسمع الرُّوح الأمين فكبَّـرا
"محمودُ" مِثلُ "إيازَ" قام كِلاهمـا *** لك بالخشوع مُصليًا مُستغفـرا
العبد والمولى على قدم التُّقـى *** سجدَا لوجهك خاشعيْن على الثَّـرى
بلغت نهايةَ كُلِّ أرضٍ خيلُنـا *** وكأن أبحُرَها رمالُ البِيـدِ
في محفل الأكوان كان هلالُنـا *** بالنصر أوْضحَ من هلال العيـدِ
في كل مَوقعةٍ رفَعنا رايـةً *** للمجد تُعلن آيةَ التوحيـدِ
أُممُ البرايا لم تكن مِن قبلنـا *** إلا عبيدًا في إسارِ عَبيـدِ
بلغتْ بنا الأجيال حُرِّيَّاتهـا *** من بعد أصفادٍ وذل قُيـودِ
رُحماك ربي هل بغير جباهنـا عُرف السجودُ بِبيتك المعمـورِ
كانت شغاف قلوبنا لك مُصحفًـا *** يحوي جلالَ كتابك المسطـورِ
إن لم يكن هذا وفاءً صادقـًا *** فالخَلْقُ في الدنيا بغيرِ شعـورِ
مَلأ الشعوبَ جُناتُها وعُصاتُهـا *** مِن مُلحدٍ عاتٍ ومن مغـرورِ
فإذا السَّحاب جرى سَقاهم غيثَـه *** واختصَّنا بصواعق التدميـرِ
قد هبَّتِ الأصنامُ مِن بعد البِلـى *** واستيقظت مِن قبْل نفخ الصُّـورِ
والكعبةُ العليا توارى أهلُهـا *** فكأنهمْ مَوتى لغير نُشـورِ
وقوافلُ الصحراء ضلَّ حُداتهـا *** وغدتْ منازلها ظلالَ قبـورِ
أنا ما حسدتُ الكافرين وقدْ غَـدَوْا *** في أنعُمٍ ومواكبٍ وقصـورِ
بلْ محنتي ألا أرى في أُمّتـي *** عَملاً تُقدِّمهُ صَداقَ الحُـورِ
لكَ في البرِية حكمةٌ ومشيئـةٌ *** أعيتْ مذاهبُها أُولي الألبـابِ
إن شئتَ أجريْت الصحارى أنهُـرًا *** أو شئت فالأنهارُ موجُ سـرابِ
مـاذا دهَى الإسلامَ في أبنائـهِ *** حتى انطوَوْا في محنةٍ وعـذابِ
فثراؤهم فقرٌ ودولةُ مجدِهـمْ *** في الأرض نهبُ ثعالبٍ وذئـابِ
عـاقَبْتنا عدلاً فهبْ لعدوِّنـا *** عن ذنبه في الدهر يومَ عقـابِ
عـاشوا بثروتنا وعِشنا دونهـمْ *** للموت بين الذُّل والإمـلاقِ
الدين يحيَا في سعادة أهلـهِ *** والكأس لا تَبقى بغير الساقـي
أين الذين بنارِ حُبكَ أرسلُـوا الْـ *** أنْوار بين محافل العُشـاقِ
سكبوا اللياليَ في أنين دُموعهـمْ *** وتوضَّؤوا بمدامع الأشـواقِ
والشمسُ كانت من ضياء وجوههـمْ *** تُهدي الصباح طلائع الإشـراقِ
كيف انطوت أيامُهمْ وهُمُ الأُلَـى *** نشروا الهُدى وعلَوْا مكان الفرقـدِ
هجروا الديار فأين أزمعَ ركبُهـمْ *** مَن يهتدي للقوم أو من يقتـدِي
يَا قلبُ حسبُك لن تُلِمَّ بطيفهـمْ *** إلا على مِصباح وجهِ محمـدِ
فازوا من الدنيا بمجدٍ خالـدٍ *** ولهمْ خلودُ الفوز يومَ الموعـدِ
يـا ربِّ ألهمنا الرشاد فما لنـا *** في الكون غيرُك من وليٍّ مُرشـدِ
ما زال قيسٌ والغرام كعهـدهِ *** وربوعُ ليلـى في ربيع جمالهـا
وهضاب نجدٍ في مراعيها المَهـا *** وظباؤها الخفِراتُ مِلءُ جبالهـا
والعشق فياضٌ وأمةُ أحمـدٍ *** يتحفَّزُ التاريخ لاستقبالهـا
لوْ حاولتْ فوق السماء مكانـةً *** رفّتْ على شمس الضحى بهلالهـا
ما بالهـا تَلقى الجُدود عواثـرًا *** وتصدُّها الأيام عن آمالهـا
هجْرُ الحبيب رمى الأحبةَ بالنَّـوى *** وأصابهم بتصرُّم الآمـالِ
لم يبقَ في الأرواح غيرُ بقيَّـةٍ *** رُحماك يا مِرآةَ كلِّ جمـالِ
لو قد مَللنا العشقَ كان سبيلُنـا *** أن نستكينَ إلى هوًى وضَـلالِ
أو نصنعَ الأصنام ثم نبيعَهـا *** حاشا المُوحِّدَ أن يَذِلَّ لمِـالِ
أيـامُ سلمانٍ بنا موصولـةٌ *** وتُقَى أُويْسٍ في أذانِ بِـلالِ
يا طيبَ عهدٍ كنتَ فيه منارَنـا *** فبعثتَ نور الحق مِن فَـارانِ
وأسرْتَ فيه العاشقين بلمْحـةٍ *** وسقيتَهُم راحاً بغير دِنـانِ
أحرقتَ فيهِ قلوبهمْ بتوقُّد الـ *** إيمان لا بتلهُّب النِّيـرانِ
لم نَبق نحن ولا القلوب كأنهـا *** لم تحْظَ من نار الهوى بدُخـانِ
إن لم يُنِر وجهُ الحبيب بِوَصلـه *** فمكان حُزن القلب كلُّ مكـانِ
يا فرحةَ الأيام حين نرى بهـا *** روضَ التجلِّي وارفَ الأغصـانِ
ويعود مَحفلنا بحُسنكَ مُسفـرًا *** كالصبح في إشراقهِ الفيْنـانِ
قد هاج حُزني أن أرى أعداءَنـا *** بين الطِّلا والظل والألحـانِ
ونعالج الأنفاسَ نحنُ ونصطلِـي *** في الفقر حين القومُ في بستـانِ
أشـرِقْ بنوركَ وابعثِ البرقَ القَديـ *** ـمَ بِومْضةٍ لفَراشكَ الظمـآنِ
أشواقُنا نحو الحجاز تطلعـتْ *** كحنين مغتربٍ إلى الأوطـانِ
إن الطيور وإن قصصتَ جناحَهـا *** تسمو بفطرتها إلى الطَّيَـرانِ
قيثارتي مكبوتةٌ ونشيدُهـا *** قد ملَّ من صمتٍ ومن كِتمـانِ
واللحنُ في الأوتار يرجو عازفـًا *** ليبوحَ من أسراره بمعـانِ
والطُّورُ يرتقب التجلِّيَ صارخـًا *** بهوى المَشُوق ولهفة الحيْـرانِ
أكبادُنا احترقت بأنَّات الجَـوى *** ودماؤنا نهر الدموع القانـي
والعطرُ فاض من الخمائل والرُّبَـى *** وكأنه شَكْوى بغير لِسـانِ
أوَليسَ من هَول القيامة أن يكـو *** نَ الزهرُ نمَّامًا على البُستـانِ
النمل لا يخشى سُليمانـًا إذا *** حرستْ قُراه عنايةُ الرَّحمـنِ
أرشدْ براهمةَ الهُنود ليرفعُوا الْـ *** إِسلام فوق هياكلِ الأوثـانِ
ما بالُ أغصانِ الصنوبر قد نـأتْ *** عنها قَماريها بكل مكـانِ
وتعرتِ الأشجارُ مِن حُلل الرُّبـى *** وطيورها فرَّت إلى الوديـانِ
يا ربِّ إلا بُلبلاً لم ينتظـرْ *** وَحيَ الربيع ولا صَبا نيسـانِ
ألحانُه بحرٌ جَرى متلاطمًـا *** فكأنه الحاكي عن الطوفـانِ
يا ليت قومي يسمعون شِكايـةً *** هي في ضميري صرخةُ الوِجـدانِ
إن الجواهر حيَّرت مِرآة هـ *** ـذا القلبِ فهْوَ على شفا البُركـانِ
أسمِعهُمو يا ربِّ ما ألهمتَنـي *** وأعدْ إليهمْ يقْظةَ الإيمـانِ
وأذقهمُ الخمرَ القديمةَ إنهـا *** عينُ اليقين وكوثرُ الرِّضـوانِ
أنا أعجميُّ الدَّنِّ لكنْ خمرتِـي *** صُنعُ الحِجاز وكرْمِها الفَيْنـانِ
إن كاَن لي نغَمُ الهُنودِ ولحنُهـمْ *** لكنَّ هذا الصوتَ مِن عَدنـانِ
قصيدة جواب الشكوى
كلامُ الرُّوح للأرواح يسْـري *** وتُدركهُ القلوبُ بلا عنـاءِ
هتفتُ به فطارَ بلا جنـاحٍ *** وشقَّ أنينُه صدرَ الفضـاءِ
ومعدنُه ترابيٌّ ولكـنْ *** جرتْ في لفظه لغةُ السمـاءِ
لقد فاضت دموعُ العشقِ منِّـي *** حديثا كان عُلويَّ النِّـداءِ
فحلَّق في رُبى الأفلاك حتَّـى *** أهاجَ العالمَ الأعلى بُكائـي
تَحاورت النجومُ وقلن صـوتٌ *** بِقرب العرش موصولُ الدعـاءِ
وَجاوبت المجرَّةُ علَّ طيفـًا *** سَرى بين الكواكب في خفـاءِ
وقال البدرُ هذا قلب شـاكٍ *** يواصل شدوَه عند المسـاءِ
ولم يعرف سوى رِضوانَ صوْتِـي *** وما أحراهُ عندي بالوفـاءِ
ألم أك قبلُ في جنات عـدنٍ *** فأخرجني إلى حينٍ قَضائـي
وقيل هو ابن آدمَ في غُـرور *** تجاوز قدره دونَ ارْعـواءِ
لقد سجدتْ ملائكةٌ كـرامٌ *** لهذا الخلق من طينٍ ومـاءِ
يظنُّ العلم في كيفٍ وكـمٍّ *** وسرُّ العجز عنه في انطـواءِ
ومِلءُ كؤوسه دمعٌ وشكوَى *** وفي أنغامه صوتُ الرجـاءِ
فيا هذا لقد أبلغتَ شيئـًا *** وإن أكثرت فيه من المِـراءِ
عطايانا سحائبُ مرسـلاتٌ *** ولكنْ ما وجدنا السَّائلينـا
وكلُّ طريقنا نَوْرٌ ونُـورٌ *** ولكن ما رأينا السَّالكينـا
ولم نَجدِ الجواهرَ قابـلاتٍ *** ضياءَ الوحي والنورَ المبينـا
وكان ترابُ آدمَ غيرَ هـذا *** وإن يكُ أصلُه ماءً وطينـا
ولوْ صدقوا وما في الأرض نهـرٌ *** لأجريْنا السماء لهم عُيونـا
وأخضعنا لمُلكهمُ الثُّريَّـا *** وشيَّدنا النجوم لهم حُصونـا
ولكنْ ألحدوا في خير ديـنٍ *** بنى في الشمس مُلك الأوَّلينـا
تراثُ محمَّدٍ قد أهملـوه *** فعاشوا في الخلائق مُهمَلينـا
تولَّى هادِمو الأصنام قِدمـًا *** فعادَ لها أولئك يَصنعونـا
أباهم كان إبراهيمُ لكـنْ *** أرى أمثال آزرَ في البنينـا
وفي أسلافكمْ كانت مَزايـا *** بكل فَمٍ لذاكرها نشيـدُ
تضُوعُ شقائقُ الصحراءِ عِطْـرًا *** بريَّاها وتبتسمُ الـورودُ
فهلْ بقيَتْ محاسنُهمْ لدَيكُـمْ *** فيجمُلُ في دلالكم الصُّـدودُ
لقد هامُوا بخالقهم فَنـاءً *** فلم يُكتب لغيرهِمُ الخلـودُ
وكوثرُ أحمدٍ مِنكم قريـبٌ *** ولكنْ شوقُكم عنه بعيـدُ
وكمْ لاح الصَّباحُ سَنًا وبُشـرى *** وأذَّنتِ القَماري والطُّيـورُ
وكبَّرت الخمائل في رُباهـا *** مُصلِّيةً فجاوبها الغديـرُ
ونومُ صباحكم أبدًا ثقيـلٌ *** كأنَّ الصبح لم يُدركه نـورُ
وأضحى الصَّومُ في رمضان قيـدًا *** فليس لكم به عزمٌ صبـورُ
تمدُّنُ عصرُكم جمعَ المزايـا *** وليس بغائبٍ إلا الضميـرُ
لقد ذهب الوفاءُ فلا وفـاءٌ *** وكيف ينالُ عهدي الظَّالمينـا
إذا الإيمانُ ضاعَ فلا أمـانٌ *** ولا دُنْيا لمن لم يُحْيِ دِينـا
ومَنْ رَضِيَ الحياةََ بِغَير ديـنٍ *** فقد جعل الفَناء لها قَرينـا
وفي التوحيد لِلهِمَم ِاتِّحـادٌ *** ولنْ تَبنوا العُلا مُتفرِّقينـا
تساندتِ الكواكبُ فاستقـرَّتْ *** ولولا الجاذبِيَّةُ ما بَقِينـا
غدَوْتُمُ فِي الدِّيَارِ بِلا دِيَـارٍ *** وَأَنْتمْ كَالطُّيُورِ بِلا وُكُـورِ
وَكُلُّ صَوَاعِقِ الدُّنيَا سِهَـامٌ *** لِبَيْدَرِكُمْ وَأَنْتُمْ فِي غُـرُورِِ
أهَذَا الفَقْرُ فِي عِلْمٍ وَمَـالٍ *** وَأنْتُمْ فِي الْقَطِيعَةِ وَالنُّفُـورِ
وَبَيعُ مَقَابِرِ الأجْدَادِ أضْحَـى *** لَدَى الأحْفادِ مَدْعَاةَ الظُّهُـورِ
سَيُعْجَبُ تَاجِرُو الأصْنَامِ قِدْمـًا *** إذَا سَمعوا بتُجَّارِ القُبـورِ
أتَشْكُو أنْ تَرَى الأقْوَامَ فَـازُوا *** بِمَجْدٍ لايَرَاهُ النَّائِمُونَـا
مَشَوْا بِهُدَى أوَائلِكُمْ وَجَـدُّوا *** وَضَيّعْتُمْ تُرَاثَ الأوَّلِينَـا
أيُحْرمُ عَامِلٌ وَرَدَ الْمَعَالِـي *** ويَسْعَدُ بِالرُّقِيِّ الْخَامِلُونَـا
ألَيْسَ مِنَ الْعَدَالَة أنَّ أرْضِـي *** يَكُونُ حَصَادُهَا للزَّارِعِينَـا
تَجَلِّي النُّورِ فَوْقَ الطُّورِ بَـاقٍ *** فَهَلْ بَقِيَ الكَلِيمُ بِطُورِ سِينَـا
ألَمْ يُبْعَثْ لأُمَّتِكُمْ نَبِـيٌّ *** يُوَحِّدُكُمْ عَلَى نَهْجِ الوِئَـامِ
وَمُصْحَفُكُمْ وَقِبْلَتُكُمْ جَمِيعـًا *** مَنَارٌ لِلأُخُوَّةِ وَالسَّـلامِ
وَفَوْقَ الكُلِّ رَحْمنٌ رَحِيـمٌ *** إلهٌ وَاحِدٌ رَبُّ الأَنَـامِ
فَمَا لِنَهارِ أُلْفَتِكُمْ تَوَلَّـى *** وَأمْسَيْتُم حَيَارَى فِي الظَّـلامِ
وَحُسْنُ اللُّؤلُؤ الْمَكْنُونِ رَهْـنٌ *** بِصَوْغِ الْعِقْدِ فِي حُسْنِِ النِّظَـامِ
وكيف تغيَّرتْ بِكمُ اللَّيالـي *** وكيف تفرَّقتْ بكمُ الأمانـي
تركتمْ دينَ أحمدَ ثم عُدْتُـم *** ضحايا لِلْهوى أو للهـوانِ
رُقيُّ الشَّعبِ قد أضحى لديكُـمْ *** تُقرِّرُه صلاحيةُ الزمـانِ
وكيف تُقاسُ أوهامٌ ولغـوٌ *** بحكمة مُنزلِ السَّبع المثانـي
أرى نارًا قد انقلبتْ رمـادًا *** سوى ظلٍّ مريضٍ من دُخـانِ
أرى الفقراءَ عُبَّادًا تُقـاةً *** قياما في المساجد راكعينـا
هُمُ الأبرارُ في صَومٍ وفطـرٍ *** وبالأسحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونـا
وليس لكم سِوى الفقراءِ ستـرٌ *** يواري عن عيوبكمُ العُيُـونا
أضلَّت أغنياءَكمُ الملاهـي *** فهم في ريبهم يتردَّدونـا
وأهلُ الفقر ما زالوا كنـوزًا *** لدينِ الله ربِّ العالمينـا
أرى التفكيرَ أدركهُ خُمـولٌ *** ولم تبقَ العزائمُ في اشتعـالِ
وأصبحَ وَعْظُكم من غير سِحْـرٍ *** ولا نورٌ يُطِلُّ من المقـالِ
وعند النَّاس فلسلفةٌ وفكـرٌ *** ولكنْ أين تلقينُ الغزالـي
وجلجلَةُ الأذان بِكـلِّ أرضٍ *** ولكن أين صوتٌ من بِـلالِ
منائرُكم علتْ في كلِّ حـيٍّ *** ومسجدُكم من العُباَّد خالـي
فأَينَ أئمةٌ وجنودُ صـدقٍٍ *** تهابُ شَبَاةَ عَزمهمُ الحِـرابُ
إذا صنعوا فصُنعهمُ المعالـي *** وإنْ قالوا فقولُهم الصَّـوابُ
مرادُهمُ الإلهُ فلا رِيـاءٌ *** ونهجهمُ اليقين فلا ارتيـابُ
لأمَّتهمْ وللأوطانِ عاشـوا*** فليس لهم إلى الدُّنيا طِـلابُ
كمثل الكأس تُبْصِرُها دِهاقـًا *** وليس لأجلها صُنِع الشَّـرابُ
مِنَ المُتَقَدِّمينَ إلَى الْمَعالِـي *** عَلَى نَهجِ الْهِدَايَةِ وَالصَّـوَابِ
وَمِنْ جَبَهَاتِهِم أنْوَارُ بَيْتـي *** وَفِي أخْلاقِهِمْ يُتْلَى كِتَابِـي
أَمَا كَانُوا جُدُودَكُمُ الأوَالِـي *** بُنَاةَ الْمَجْدِ وَالْفَنِّ الْعُجَـابِ
وَلَيْسَ لَكُمْ مِنَ الْمَاضِي تُـرَاثٌ *** سِوَى شَكْوَى اللُّغوب وَالاكْتِئـابِ
وَمَنْ يَكُ يَوْمُهُ فِي الْعَيْشِ يَأسـًا *** فَمَا غَدُهُ سِوَى يَوْمِ الْعَـذَابِ
جهادُ المؤمنينَ لهمْ حيـاةٌ *** ألا إنَّ الحياةَ هيَ الجهـادُ
عقائدُهم سواعدُ ناطقـاتٌ *** وبالأعمال يَثبُتُ الاعتقـادُ
وخوفُ الموتِ للأحياء قبـرٌ *** وخوفُ اللهِ للأحـرار زادُ
أرى ميراثهم أضحى لدَيْكُـمْ *** مُضاعًا حيثُ قد ضاعَ الرَّشـادُ
وليس لوارثٍ في الخير حـظٌّ *** إذا لم يحفظِ الإرثَ اتِّحـادُ
لأيِّ مآثرِ القوم انْتَسَبْتُـمْ*** لتكتسبوا فخارَ المُسلمينـا
فأين مَقامُ ذي النُّورَيْن مِنكـمْ *** ودولةُ عِزِّه دُنيا ودِينَـا
وفقرُ عليٍّ الأوابِ هـلاَّ *** رَبِحتم فيه كنزَ الفاتحينـا
أقمتمْ في الذُّنوب وفي الخَطايـا *** وتغتابون حتَّى الصَّالحينـا
وهُمْ ستروا عيوب الخلق فضـلاً *** وإن كانوا أبرَّ المُتَّقينـا
أريكةُ قيصَرٍ وسَريرُ كِسْـرى *** قد احْتَمَيا بملكهمُ العَمِيـمِ
وأنتم تطمحون إلى الثُّريَّـا *** بلا عزمٍ ولا قلبٍ سليـمِ
تُضِيعون الإخاء وهم أقامُـوا *** صُروحَ إخائهمْ فوق النُّجـومِ
طلبتُمْ زهرةَ الدنيا وعُدْتُـمْ *** بلا زهرٍ يضوعُ ولا شميـمِ
وكان لديهمُ البستان محضـًا *** وهُمْ أصحابُ جنات النَّعيـمِ
يُعيدُ الكونُ قصَّتهم حديثـًا *** ويُنْشئُ منْ حديثهمُ الفُنـونا
فكمْ نَزَحُوا عنِ الأوْكارِ شَوْقـًا *** إلى التَّحْلِيقِ فَوْق العالمَينـ
ا
ويأسُ شبابكم أدْمى خُطاهـمْ *** فظنُّوا فيه بالدِّين الظُّنونـا
هِي المدنَّيةُ الحمقاءُ ألقـتْ *** بهمْ حولَ المذاهب حَائرينـا
لقد صنعتْ لهمْ صنمَ الملاهـي *** لتحجبَ عنهمُ الحَرَمَ الأمينَـا
لقد سئمَ الهوى في البِيدِ قَيْـسٌ *** وملَّ من الشِّكاية والعـذابِ
يحاولُ أن يُباح العِشْقُ حتـى *** يرى ليلاهُ وهْيَ بلا حجـابِ
يريدُ سفور وجهِ الحُسن لمـَّا *** رأى وجهَ الغرام بلا نقـابِ
فهذا العهد أحرقَ كلَّ غـرسٍ *** مِن الماضي وأغلقَ كلَّ بـابِ
لقد أفنت صواعقُه المغانـي *** وعاثتْ في الجبال وفي الهضـابِ
هي النَّارُ الجديدةُ ليس يُلقـى *** لها حطبٌ سوى المَجْدِ القديـمِ
خُذوا إيمانَ إبراهيمَ تَنْبُـتْ *** لكمْ في النَّار رَوضاتُ النَّعيـمِ
ويذكُو من دمِ الشهـداء وَرْدٌ *** سَنِيُّ العِطر قُدسيُّ النَّسيـمِ
ويلمعُ في سماء الكون لـونٌ *** من العُنَّاب مخضوبُ الأديـمِ
فلا تفزعْ إذا المَرْجَانُ أضْحـى *** عُقودًا للبراعمِ والكُـرومِ
فكم زالتْ رياضٌ من رُباهـا *** وكم بادت نخيلٌ في البـوادي
ولكنْ نخلةُ الإسلام تنمُـو *** على مرِّ العواصف والعـوادي
ومجدك في حمى الإسلام بـاقٍ *** بقاءَ الشمس والسبع الشـدادِ
وإنك يوسفٌ في أي مِصـرٍ *** يرى كنعانَه كلَّ البـلادِ
تسيرُ بكَ القوافلُ مُسرِعـاتٍ *** بلا جرسٍ ولا ترجيعِ حـادي
ضياؤُك مشرقٌ في كـل أرضٍ *** لأنكَ غيرُ محدودِ المكـانِ
بَغتْ أممُ التَّتار فأدركتْهـا *** من الإيمان عاقبةُ الأ
مَـانِ
وأصبح عابدُو الأصنام قِدمـًا *** حماةَ الحِجر والرُّكن اليَمانِـي
فلا تجزع فهذا العصرُ ليـلٌ *** وأنت النجم يُشرقُ كـلَّ آنِ
ولا تخشَ العواصف فيهِ وانهـضْ *** بشُعلتك المضيئة في الزمـانِ
أعِد مِن مَشرق التوحيد نُورًا *** يَتمُّ به اتحادُ العالَمينـا
وأنت العِطرُ في روض المعالـي *** فكيف تعيش محتبِسًا دفينـا
وأنت نسيمُه فاحملْ شـذاهُ *** ولا تَحمل غُبار الخاملينـا
وأَرسِل شُعلةَ الإيمانِ شَمسًـا *** وصُغْ من ذَرَّةٍ جبَلاً حصينـا
وكُنْ في قمة الطوفانِ مَوْجـا *** ومُزنا يُمطر الغيثَ الهتونـا
فباسم محمدٍ شمسِ البرايـا *** أُقيمت خيمةُ الفلَكِ المُنيـرِ
تَلألأَ في الرياضِ وفي الصَّحـارى *** وفوق الموجِ والسَّيلِ المُغيـرِ
ونبضُ الكونِ منهُ مستمِـدٌّ *** حرارتَهُ على مَرِّ العُصُـورِ
ومن مراكشٍ يَغزو صَـداهُ *** رُبوعَ الصِّينِ بالصوت الجَهيـرِ
وما مِشكَواة هذا النُّـورِ إلا *** ضميرُ المُسلم الحُرِّ الغَيُـورِ
ورفعُ الذِّكْر للمُخْتار رَفـعٌ *** لقَدْرِك نحوَ غاياتِ الكَمـالِ
فكنْ إنسانَ عينِ الكوْن واشهـدْ *** مَقامك عاليًا فوقَ المعالـي
بخنجرِ عزمك الوثَّاب لاحـتْ *** على الأعلام أنوارُ الهـلالِ
نداؤُك في العناصر مُستجـابٌ *** إذا دوَّى بصوتٍ من بـلالِ
وعقلُك في الخطوب أجـلُّ دِرعٍ *** وعشقُك خيرُ سيفٍ للنضـالِ
خلافةُ هذه لأرض استقـرتْ *** بمجدكَ وهْوَ للدنيا سمـاءُ
وفي تكبيرك القُدسيِّ يبـدُو *** صغيرًا كلُّ ما ضمَّ الفضـاءُ
فيا من هبَّ للإسلام يدعـو *** وأيقظَ صدقَ غيرتِه الوفـاءُ
سترفع قدرَكَ الأقدارُ حتَّـى *** تشاهد أنَّ ساعِدَك القضـاءُ
وقيلَ لكَ احتكمْ دنيا وأخـرى *** وشأنُكَ والخلودَ كما تشـاءُ
الانتشار
تعليقات
إرسال تعليق